كتب : حسن خالد
لا اللي فوق رحموها و لا اللي تحت سابوها لحد ما فضلت تصغر ، تصغر لحد ما – كنا فاكرين أنها قربت تختفي – اختفت !
لسان حال كل أسرة كانت تعتقد أنها من تلك الطبقة المتوسطة ، تأملت كثيرا هذه الحالة كي أجد لها توصيف و لكن في ذلك المجتمع الذي يعيقك حتى عن التأمل لا تصل عادة للنتائج التي تأملها ، فبعد ما كان – يعقد البعض – أن المجتمع ثلاث طبقات عليا و وسطى و دنيا ، تعددت الطبقات و انقسمت لشريحتين أساسيتين ...
الأولى غنية مقتدرة و الثانية فقيرة تسعى ...
ذلك التقسيم لم ينتج اعتباطا و لكنه نتيجة لتعريف الطبقة الاجتماعية " مجموعة من الناس في مجتمع معين لهم نفس المكانة الاجتماعية و مستوى متقارب من الإمكانيات " و عادة ما يحدد المجتمع بنفسه هذه الطبقات و يحصر نفسه فيها و لها بعض المحددات الأساسية كالثروة و القرب من السلطة و الدين و العرق ...
الأولى تلك الغنية المقتدرة لا داعي للخوض فيها فهي معروفة للجميع كل من ملك مال وفير و سلطة سواء شرعية أو غير شرعية ، و كلما قرب من الأنظمة الحاكمة يتم تصنيفه وفقا لتلك الطبقة و يكون هو السند و الواسطة لخلفه و أقربائه من تلك الطبقة التي تليه !
بينما الثانية تلك الطبقة الفقيرة التي أصر على إقران فعل ( السعي ) بها قسم أهلها بعضهم بعضا إلى فئات متعددة و لعل أسهل تصنيف لهم هو إدراجهم في ثلاث مستويات أساسية :
- الطبقة العاملة ( الوسطى سابقا ) .
- طبقة محدودي الدخل .
- الطبقة الفقيرة شبة المعدمة .
لا توجد فروق كبيره بين محدودي الدخل و الطبقة شبه المعدمة فكلاهما يعيش على حد الكفاف ساعين إلى طريقة أفضل للعيش ، لكن أبرز ما يعوقهم هو التعليم حيث كلما تدرجت لأسفل في تلك التصنيفات الطبقية كلما تدنى مستوى التعليم و بالتبعية يؤثر على طبيعة الأعمال التي في استطاعتهم شغلها ...
أما الطبقة العاملة فهي محورنا و هي الأكثر انتشارا و أكثر هذه الطبقات جدلا فهي تشمل أصحاب المهن الحرة ( متناهية الصغر – الصغيرة ) سواء كانت مهن حرفية أو مهن تجارية و متخصصة ، إضافة إلى الوظائف الحكومية ، و العمالة الحرة ...
تجد أن الأسرة في تلك الطبقة تتسم بالغرابة فمنهم من يتمسك بالمثل القائل " عيش عيشة أهلك " فيسكن في منزل بسيط و يتمسك بعادات قديمة ( شعبية ) و لا يجد في ذلك عيبا أو إهانة ، و ذلك هو الرائج منهم
أما على الصعيد الآخر تجد تلك العائلة التي رقصت على السلم فلا هي تصل إلى الطبقة الغنية و لا ترضى بوقوعها في طبقة دنيا !
تجد الأب متمسكا أن يدرس أولاده في المدارس الخاصة القريبة من سكنه ، و عندما يقارن بين مدرسة أولاده و مدارس أولاد الذوات يصدم و يعترف " أهو أحسن من غيرنا " !
يحاول أن يزين بيته دائما باختيار الألوان بعناية و محاولة الاحتفاظ بأثاث أصيل ظنا أن الخشب الزان أفضل من غيره عندما يقبل عليه ضيوفه – لكن الضيف مش هـ يخبط على الخشب و يسألك أصلا ! – و يصدم عندما يرى الشقق الفاخرة ذات الأثاث الجميل و الذي يبتعد تماما عن الخشب الزان لكنه يتميز بتناسق الألوان و الاختيار الجيد للقطع !
يتفاخر أمام أبنه " بـ تأكل أحسن أكل ، بتلبس أحسن لبس ، مفيش حاجة حرمتك منها حتى المصيف وديتك ! " و ينسى أنه يترك أولاده أمام شاشات التلفزيون ليستمتعوا بمشاهدة أفضل الملابس و الأطعمة و المصايف !
و عندما ينأى بحالة من زحمة المواصلات تجده يركب سيارته الأخر موديل للثمانينات فيات 28 حمرا !
و دائما شعارهم لسنا الأفضل حالا و لكننا أفضل من غيرنا .. أنها تلك العائلة المهجنة التي تحاول أن تقنع نفسها بأنهم في أفضل حال بينما لا يوجد فرقا كبيرا بينهم و بين من هم أقل ، و لكن الفرق كبير فعلا بينهم و بين الطبقة التي تعلوهم !!
لكن الخروج من أزمة الطبقية و تحويل تلك السلبيات إلى إيجابيات ليس بالشيء الصعب أو المرهق ، أنما هو تحريك لأفكار عفي عليها الزمن ...
هناك فرق بين الجمال و بين الأصالة ( إذا أردت اختيار أثاث منزلك اختاره جميلا أصيلا على حد سواء و إن لم يتثنى ذلك فبدئ الجمال على الأصالة فأنت تحافظ على الجميل ، و لكنك ترتكن للأصالة فتزداد سوأ ! )
هناك فرق بين التعليم و بين العلم ( مهما كان مستوى تعليم أبنك ، باستطاعتك أن تعلمه المزيد بالقراءة و الإطلاع و تطوير ذاته و تنميتها و يكون حقا أفضل من غيره )
أما مسألة أفضل أكل قد يكون الأكل شهي جدا ، لكن طريقة تقديمه تجعله أسوأ من أسوأ طعام يقدم للكلاب في المسلسلات الأجنبية ! لن يكلفك شيء أن يكون شكل الطعام جميلا يسر النفس ، أن تلتف الأسرة بكاملها حول مائدة واحدة في حوار أسري دافئ ... ألن تكون أفضل من غيرك حينها ؟؟
أنها مشكلة الذوق العام ليس إلا ، إذا تغير مفهومنا حول الجمال و التزمنا بمكارم الأخلاق و تهذيب الروح من التشويه الذي نراه يوميا ، لو التزمنا بمفهوم الحياة الاقتصادية السلمية و العيش كما يجب و ماهية الادخار و كيفية الاستثمار لن تجد فقيرا معدما أو محدود دخل ... أنها الأفكار يا عزيزي !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق