ذكرياتك كلها تبنى مع جدران بيتك الذي تسكـــــنه ، أليــــــــس كذلك ؟!
لك في حيّك السكني آمال و أحلام تتمنى أن تحققها ، لا أحد ينكر ذلك ...
لكن ماذا لو استيقظت يوما من نومك وجدت بيتك الجميل يعفه الذباب و أكوام القمامة ؟!!
ماذا لو وجدت الباعة الجائلين يفترشون أسوار منزلك ليبيعوا بضــــائعهم الرخيصـــة ؟!
ماذا لو وجدت حديقة منزلك أصبحت بلا زروع ، و بلا ماء و بلا أشجار تقطنها الجرذان و كلاب السكك !!
ماذا لو وجدت واجهة منزلك الجميل مجرد لوحة من التراب و عوادم السيارات تغطي ملامح الجمال الذي رسمها أفضل فناني العالم في النحت و العمارة !!
هذا بالفعل ما رأيته أثناء جولتي بالقرب من ( ميدان الجيزة ) حينها رأيت البيوت القديمة و الذي سكنها هؤلاء أصحاب المقام الرفيع من ذوي الحس الجمالي و الأخلاقي الراقي ..
تلك البيوت القديمة التي لو اهتممنا بها تصبح مزارات ، و قصور ثقافية ، أو صالونات أدبية ، للأسف تراها في حال يرثى لها ...
و للأسف نظرا لحجم التشوه العمراني المحيط بتلك – دعوني أطلق عليها قصـــــــور – قلما تلحظ أن هناك قصرا جميلا بجانبك ..
هل طغت ذلك التشوه العمراني و تلك العقارات التجارية على أذواقنا !!
هل أصبــــح عيبا أن نمـــــتلك بيتا جميـــــلا داخليــــا و خارجيـــــــا !!
إذا كانت أزمة السكن سببا في ذلك ، فلما أرى ذلك الكم الهائل من العقارات الخاوية !!
( دة لأن الازمة مش فى القعارات ، الازمة هنجيب الفلوس منين اصلا )
و ما دام الحال كذلك ، و ما دام تلك العقارات ستظل خاوية ، لما لا نهتم بمظهر تلك العقارات الحديثة ، لم لا نترك الجـــــــيل القادم يأخذ فرصته في أن يرى فناً ، لا نجد من يمثله الآن !!
و برغم علمي أن هذا لن يغير شيئا ، فلما نهمل ما لدينا من بواقي ذلك الفن المعماري الذي أوشك على الانقراض ، إن لم يكن انقرض !!
لم لا نستغل تلك القصور و المباني القديمة لتكون مزارات أو قصور ثقافية كما الحال في البعض منها ...
( للأسف الشديد بعد الثورة تحولت العديد من القصور إلى مباني إدارية مما جعلها تتخلى عن مظهرها الجمالي و اتسم مظهرها بالمناخ العام في تلك الهيئات و المصالح الحكومية !! )
و على ذكر القصور الثقافية ، كيف حالنا معها ، هل فكرت يوما أن تصطحب أولادك إلى أحد القصور الثقافية ليتعرفوا على تاريخ ذلك المكان و ليكتشفوا ما بداخله من فنون في الديكور و الرسم ... الخ ، و ليشاركوا في الأنشطة التي تقدم فيه ؟!
إجابة معتادة أسمعها في كل مره أنشر فيها مقالا جديدا ..
" هي الناس فاضية ، الناس وراها أكل عيش ، إحنا مش ملاحقين عالمصاريف "
و لكن سؤال بسيط .. إذا ضيعت عمرك كله في جمع المال للإنفاق على بطون أولادك دون النظر إلى عقولهم و ثقافتهم ، فماذا ستجني سوى بطون ممتلئة و عقول فارغة ، هاوية لا تقدر قيمة الأشياء و لا تقدر قيمة الجمال !!
زمااان كان الأب يضرب ابنه لأنه لم يذهب لتلقي العلم عند شيخه و معلمه في الكتّاب ، أما الآن فقد يضرب الأب ابنه لأنه لا زال لا يعمل و أصبح عال عليه !! ( من قصة واقعية )
بيوت زمان .. ليست فقط قصورا جميلة تحوي كنوزا من اللوحات و الأنتيكات الفاخرة ، بل تحوي ثقافة جميلة نشأت فيها حب القراءة و الإطلاع ، تلك الصالونات و الأنتريهات التقى فيها الأدباء و الشعراء و المفكرين ؛ ليتدارسوا أمور البلاد السياسية و الاجتماعية ، و لينشدوا فيها قصائدهم و يرووا فيها قصصهم ...
بيوتا مهما عليّ شأن ساكنها أو كان ساكنها موظف بسيط في حارة في الغورية ، كانت تقدر الجمال حقا و تحث عليه و لتأكيد كلامي أنزل حي الغورية و الحسين ... الخ من تلك الأماكن و أنظر إلى المشربيات و البلكونات ..
في النهاية ..
في زمن طغت فيه الماديات على كل شيء ستظل تلك البيوت أثرا كلما مررنا عليه لا نعي من صموده على الأرض شيئا !!