السبت، 15 مايو 2010

فى البيت القديم !


ذكرياتك كلها تبنى مع جدران بيتك الذي تسكـــــنه ، أليــــــــس كذلك ؟!

لك في حيّك السكني آمال و أحلام تتمنى أن تحققها ، لا أحد ينكر ذلك ...

لكن ماذا لو استيقظت يوما من نومك وجدت بيتك الجميل يعفه الذباب و أكوام القمامة ؟!!

ماذا لو وجدت الباعة الجائلين يفترشون أسوار منزلك ليبيعوا بضــــائعهم الرخيصـــة ؟!

ماذا لو وجدت حديقة منزلك أصبحت بلا زروع ، و بلا ماء و بلا أشجار تقطنها الجرذان و كلاب السكك !!

ماذا لو وجدت واجهة منزلك الجميل مجرد لوحة من التراب و عوادم السيارات تغطي ملامح الجمال الذي رسمها أفضل فناني العالم في النحت و العمارة !!

هذا بالفعل ما رأيته أثناء جولتي بالقرب من ( ميدان الجيزة ) حينها رأيت البيوت القديمة و الذي سكنها هؤلاء أصحاب المقام الرفيع من ذوي الحس الجمالي و الأخلاقي الراقي ..

تلك البيوت القديمة التي لو اهتممنا بها تصبح مزارات ، و قصور ثقافية ، أو صالونات أدبية ، للأسف تراها في حال يرثى لها ...

و للأسف نظرا لحجم التشوه العمراني المحيط بتلك – دعوني أطلق عليها قصـــــــور – قلما تلحظ أن هناك قصرا جميلا بجانبك ..

هل طغت ذلك التشوه العمراني و تلك العقارات التجارية على أذواقنا !!
هل أصبــــح عيبا أن نمـــــتلك بيتا جميـــــلا داخليــــا و خارجيـــــــا !!

إذا كانت أزمة السكن سببا في ذلك ، فلما أرى ذلك الكم الهائل من العقارات الخاوية !!

( دة لأن الازمة مش فى القعارات ، الازمة هنجيب الفلوس منين اصلا )

و ما دام الحال كذلك ، و ما دام تلك العقارات ستظل خاوية ، لما لا نهتم بمظهر تلك العقارات الحديثة ، لم لا نترك الجـــــــيل القادم يأخذ فرصته في أن يرى فناً ، لا نجد من يمثله الآن !!

و برغم علمي أن هذا لن يغير شيئا ، فلما نهمل ما لدينا من بواقي ذلك الفن المعماري الذي أوشك على الانقراض ، إن لم يكن انقرض !!
لم لا نستغل تلك القصور و المباني القديمة لتكون مزارات أو قصور ثقافية كما الحال في البعض منها ...

( للأسف الشديد بعد الثورة تحولت العديد من القصور إلى مباني إدارية مما جعلها تتخلى عن مظهرها الجمالي و اتسم مظهرها بالمناخ العام في تلك الهيئات و المصالح الحكومية !! )

و على ذكر القصور الثقافية ، كيف حالنا معها ، هل فكرت يوما أن تصطحب أولادك إلى أحد القصور الثقافية ليتعرفوا على تاريخ ذلك المكان و ليكتشفوا ما بداخله من فنون في الديكور و الرسم ... الخ ، و ليشاركوا في الأنشطة التي تقدم فيه ؟!

إجابة معتادة أسمعها في كل مره أنشر فيها مقالا جديدا ..

" هي الناس فاضية ، الناس وراها أكل عيش ، إحنا مش ملاحقين عالمصاريف "

و لكن سؤال بسيط .. إذا ضيعت عمرك كله في جمع المال للإنفاق على بطون أولادك دون النظر إلى عقولهم و ثقافتهم ، فماذا ستجني سوى بطون ممتلئة و عقول فارغة ، هاوية لا تقدر قيمة الأشياء و لا تقدر قيمة الجمال !!

زمااان كان الأب يضرب ابنه لأنه لم يذهب لتلقي العلم عند شيخه و معلمه في الكتّاب ، أما الآن فقد يضرب الأب ابنه لأنه لا زال لا يعمل و أصبح عال عليه !! ( من قصة واقعية )

بيوت زمان .. ليست فقط قصورا جميلة تحوي كنوزا من اللوحات و الأنتيكات الفاخرة ، بل تحوي ثقافة جميلة نشأت فيها حب القراءة و الإطلاع ، تلك الصالونات و الأنتريهات التقى فيها الأدباء و الشعراء و المفكرين ؛ ليتدارسوا أمور البلاد السياسية و الاجتماعية ، و لينشدوا فيها قصائدهم و يرووا فيها قصصهم ...

بيوتا مهما عليّ شأن ساكنها أو كان ساكنها موظف بسيط في حارة في الغورية ، كانت تقدر الجمال حقا و تحث عليه و لتأكيد كلامي أنزل حي الغورية و الحسين ... الخ من تلك الأماكن و أنظر إلى المشربيات و البلكونات ..

في النهاية ..

في زمن طغت فيه الماديات على كل شيء ستظل تلك البيوت أثرا كلما مررنا عليه لا نعي من صموده على الأرض شيئا !!

بين الرحم الصغير و الرحم الكبير


قال تعالى : " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14) "



سبحان الله ، تبارك الله ، الحمد لله ، الله أكبر ...

تلك هي أولى الكلمات التي تنطق بها حين تستمع إلى تلك الآية الكريمة من سورة [ المؤمنون ] ، فتنزل عليك السكينة و ينتابك جو روحاني هادئ يسّر النفس ...

و لكن حين تسمعها من رجل جهوري أجش الصوت و اللفظ ، عنيف في توجيه اللفظ ، يرهبك بأدائه ، لن ينتابك إلا الفزع – ليس من الآية الكريمة ، و لكن من أداء ذلك الرجل – هذا ما حدث معي في خطبة الجمعة و التي غلب عليها منذ الوهلة الأولى جانب الترهيب ( الترهيب للترهيب فقط ) و حين تتفقد وجوه الجالسين تجد بينهم تباين غريب ..

فتجد فيهم من يهاجم الخوف وجهة كما تهاجم النمور فرائسها ، و تجد من لا يعطي له بالا سوى بالصلاة على النبي ( صلى الله عليه و سلم ) أو ذكر الله ...

و السؤال هنا .. هل التحدث في الحياة و الموت يحتاج إلى هذا الترهيب المبالغ فيه ، و الذي وصل الأمر فيه إلى بكاء الأطفال من هول ما سمعوه ...

أم يحتاج إلى ترغيب لكي يتعظ هؤلاء و يشتط فيهم النشاط و الهمّة للفوز بجنة و نعيم الآخرة ..

أم يحتاج إلى الموازنة بين هذا و ذاك ؟؟

فمن الرحم الصغير نولد لا نعي الترهيب من الترغيب ، و لكن بمجرد أن يبدأ الطفل بالإدراك تجده ينفر من ذلك الأسلوب الذي يكون الترهيب أساسه و فعله ، لأنه يعلم أن هناك ما هو أفضل ينتظره ...

ذلك الأفضل هو ما يجب أن تحيى به و لأجله و تلك هي رسالة الإسلام دين السماحة ، و المحبة ، و الهدوء و الصفاء النفسي ...

هل يكون استنفار عزيمة و همّة الشباب و الرجل للإنتاج في هذه الحياة و لحثهم على العمل الصالح ، بتلك الفزعة التي تبث بين الصدور !!

ألا يعلم هؤلاء أن استخدام الترهيب على المدى الطويل يسبب الأمراض النفسية مثل الفوبيا و الخوف المرضي !!
ألا يعلم هؤلاء أيضا أن السبب في إسلام الكثير من الغربيين هو الترغيب و ليس الترهيب !!
هل أصبحت رسالة هؤلاء أن الموت = الترهيب فقط – فجأة تحس انك داخل النار مفيش أي أمل ! – أنسيتهم رحمة الله و أنه لا يوجد مؤمن مهما بلغت أعماله الصالحة سيدخل الجنة بعمله ، بل سيدخلها برحمة الله ...
هل نسو أن ما يبدأ ذكره عند كل سورة في القرآن الكريم هو " بسم الله الرحمن الرحيم " !!

و نحن نأتي من ذلك الرحم الصغير – و الرحم نسبت له الرحمة – أي أن الله خلقنا في رحمة منه و فضل ...
و نحن نتنقل من عمل لآخر في رحلتنا عبر تلك الحياة التي هيأها لنا الله و ذلل لنا ما فيها لخدمتنا ..
لكن إلى أين نتنقل ؟!

إلى تلك الحياة البرزخية الأخرى التي لا يعيها الأحياء ، لننتقل في النهاية إلى تلك الحياة الأبدية في نهاية المطاف ...

أي أن القبر هو مجرد رحم كبير يحملنا بين طياته إلى ذلك العالم الآخر .. لا تستغرب من ذلك التشبيه فهل كنت تعي حياتك قبل مولدك كيف عملت فيها !!

و ما دمنا ننتقل من رحم إلى رحم و في ذلك رحمة من الله ، فمن الأولى أن نرغب في أن نستمتع برحمة الله و كلمات الله التي صاغها لنا في كتابه العزيز ، ذلك القانون الربّاني الذي اتسم بالرحمة في آياته و لم يخلوا من الترهيب و لكن في ذلك حكمة و هي أن نرى بأنفسنا رحمة الله ..

تلك هي الحكمة من الترهيب فلماذا الابتعاد عنها !!
لماذا استغلال تلك المنحة – الترهيب و الذي عند استخدامه بوعي يصبح ترغيبا – بتلك الصورة السيئة التي تسيء له و لمن يستخدمه !!

سؤال أخير .. كم من شيخ و داعية استخدم أسلوب الترهيب و نجح في إيصال رسالته للشباب ؟!!

" ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) " يتبع الله الحياة بالموت و هكذا لابد أن نعرف كيف يتصل الترغيب بالترهيب ...