السبت، 15 مايو 2010

بين الرحم الصغير و الرحم الكبير


قال تعالى : " ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14) "



سبحان الله ، تبارك الله ، الحمد لله ، الله أكبر ...

تلك هي أولى الكلمات التي تنطق بها حين تستمع إلى تلك الآية الكريمة من سورة [ المؤمنون ] ، فتنزل عليك السكينة و ينتابك جو روحاني هادئ يسّر النفس ...

و لكن حين تسمعها من رجل جهوري أجش الصوت و اللفظ ، عنيف في توجيه اللفظ ، يرهبك بأدائه ، لن ينتابك إلا الفزع – ليس من الآية الكريمة ، و لكن من أداء ذلك الرجل – هذا ما حدث معي في خطبة الجمعة و التي غلب عليها منذ الوهلة الأولى جانب الترهيب ( الترهيب للترهيب فقط ) و حين تتفقد وجوه الجالسين تجد بينهم تباين غريب ..

فتجد فيهم من يهاجم الخوف وجهة كما تهاجم النمور فرائسها ، و تجد من لا يعطي له بالا سوى بالصلاة على النبي ( صلى الله عليه و سلم ) أو ذكر الله ...

و السؤال هنا .. هل التحدث في الحياة و الموت يحتاج إلى هذا الترهيب المبالغ فيه ، و الذي وصل الأمر فيه إلى بكاء الأطفال من هول ما سمعوه ...

أم يحتاج إلى ترغيب لكي يتعظ هؤلاء و يشتط فيهم النشاط و الهمّة للفوز بجنة و نعيم الآخرة ..

أم يحتاج إلى الموازنة بين هذا و ذاك ؟؟

فمن الرحم الصغير نولد لا نعي الترهيب من الترغيب ، و لكن بمجرد أن يبدأ الطفل بالإدراك تجده ينفر من ذلك الأسلوب الذي يكون الترهيب أساسه و فعله ، لأنه يعلم أن هناك ما هو أفضل ينتظره ...

ذلك الأفضل هو ما يجب أن تحيى به و لأجله و تلك هي رسالة الإسلام دين السماحة ، و المحبة ، و الهدوء و الصفاء النفسي ...

هل يكون استنفار عزيمة و همّة الشباب و الرجل للإنتاج في هذه الحياة و لحثهم على العمل الصالح ، بتلك الفزعة التي تبث بين الصدور !!

ألا يعلم هؤلاء أن استخدام الترهيب على المدى الطويل يسبب الأمراض النفسية مثل الفوبيا و الخوف المرضي !!
ألا يعلم هؤلاء أيضا أن السبب في إسلام الكثير من الغربيين هو الترغيب و ليس الترهيب !!
هل أصبحت رسالة هؤلاء أن الموت = الترهيب فقط – فجأة تحس انك داخل النار مفيش أي أمل ! – أنسيتهم رحمة الله و أنه لا يوجد مؤمن مهما بلغت أعماله الصالحة سيدخل الجنة بعمله ، بل سيدخلها برحمة الله ...
هل نسو أن ما يبدأ ذكره عند كل سورة في القرآن الكريم هو " بسم الله الرحمن الرحيم " !!

و نحن نأتي من ذلك الرحم الصغير – و الرحم نسبت له الرحمة – أي أن الله خلقنا في رحمة منه و فضل ...
و نحن نتنقل من عمل لآخر في رحلتنا عبر تلك الحياة التي هيأها لنا الله و ذلل لنا ما فيها لخدمتنا ..
لكن إلى أين نتنقل ؟!

إلى تلك الحياة البرزخية الأخرى التي لا يعيها الأحياء ، لننتقل في النهاية إلى تلك الحياة الأبدية في نهاية المطاف ...

أي أن القبر هو مجرد رحم كبير يحملنا بين طياته إلى ذلك العالم الآخر .. لا تستغرب من ذلك التشبيه فهل كنت تعي حياتك قبل مولدك كيف عملت فيها !!

و ما دمنا ننتقل من رحم إلى رحم و في ذلك رحمة من الله ، فمن الأولى أن نرغب في أن نستمتع برحمة الله و كلمات الله التي صاغها لنا في كتابه العزيز ، ذلك القانون الربّاني الذي اتسم بالرحمة في آياته و لم يخلوا من الترهيب و لكن في ذلك حكمة و هي أن نرى بأنفسنا رحمة الله ..

تلك هي الحكمة من الترهيب فلماذا الابتعاد عنها !!
لماذا استغلال تلك المنحة – الترهيب و الذي عند استخدامه بوعي يصبح ترغيبا – بتلك الصورة السيئة التي تسيء له و لمن يستخدمه !!

سؤال أخير .. كم من شيخ و داعية استخدم أسلوب الترهيب و نجح في إيصال رسالته للشباب ؟!!

" ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) " يتبع الله الحياة بالموت و هكذا لابد أن نعرف كيف يتصل الترغيب بالترهيب ...











ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق