في رحلتي السريعة إلى – عالم – اليابان ، و في ظل بحثي دائما عن سر تفوق و تميز الدول – خاصة الصناعية و الإنتاجية منها – لا أخفي سرا عن عدم انبهاري بكل ما حولي !!!!
قد يكون عجيبا أن لا أنبهر بكم التقنية الموجود حولي و النظام الذي يتميز بالدقة الشديدة – التي تكاد تخنق أنفاسك – و التحلي دائما بالاحترام و الأخلاق الراقية في التعامل معك أنت و من حولك ، أيضا عجيب عدم انبهاري بالتفوق الاقتصادي العجيب الذي وصلوا إليه !!!
و لكن ما اللغز حول ما شعرت به من شبه اللامبالاة !!!
إنه الكايزن !
نعم ( الكايزن ) فهو الشيء الأكثر شيوعا في اليابان و عندما علمت ماهيته و أدركت أهميته كان انبهاري – و خجلي من قله علمي آنذاك – أن هذا المبدأ الذي تقوم عليه كل مؤسسات اليابان سواء حكومية أو خاصة ، هو شيء أوصانا به الدين الإسلامي في أول كلمة نزل بها الوحي " اقرأ " و التي لها دلالات كثير سأوضحها فيما بعد ...
و لكي لا يطول اللغز عليكم فالـ ( كايزن ) كلمة يابانيه مكونة من مقطعين ( كاي ) و تعنى ( غيّر / تغيير ) و ( زان ) و تغني ( الأحسن / الخير ) و ( كايزن ) تستخدم بمعنى ( التحسين المستمر ) ابتكر هذا المبدأ تاييشي أوهونو ( Taiichi Ohno ) و هي تشير إلي النشاطات التي تؤدى باستمرار إلى تحسين جميع مناحي العمل ، و استخدم هذا المبدأ بكثافة شديدة في إعادة إصلاح اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و منذ ذلك الحين انتشرت في ميادين الأعمال في كل أنحاء العالم !
فلماذا انبهر بكل ما حولي فالفرد الياباني إذا تعلم كلمة جديدة كل يوم و علمها لأولاه أو من حوله لكفت كل هذا التقدم و أكثر فالتحسين المستمر لا يتوقف عند حدود المعرفة فقط فمع المعرفة تتطور و تتحسن القدرات و هذا النظام الذي ينبهر به العالم الآن و تقوم عليه مؤسسات العالم لم ينشأ فجأة فكل شيء يأخذ حقه في الإنتاج فالمبدأ لم يقوم على ( التحسين ) فقط بل شرط أن يكون هذا التحسين ( مستمر ) ..
و لكن ما علاقة " اقرأ " بهذا المبدأ ؟؟
تأمل معي للحظة في معاني كلمة اقرأ ، فاقرأ بها أمر مباشر لإدخال معلومات جديدة إلى ذهنك و التي بدورها تتحول إلى سلوك ، أو أفعال ، أو خبرات و تتراكم بداخلك لحين قراءتك لمعلومة جديدة ، و مع كل كلمة تقرأها و تطبقها على الواقع ،أو تختزنها داخلك فأنت تتطور و ترقى بها إلى الأفضل ..
لاحظ الفرق بين من يقرأ و من لا يقرأ !!
تجد تفاوت كبير في الخبرات فالذي يقرأ هو يكتسب خبرات الآخرين و يضيف إليها خبراته فيتطور سريعا عن الشخص الآخر الذي ينتظر أن تعلمه الحياة !
و لكن هل ( الكايزن ) يرتبط لدينا بالقراءة فقط ؟؟
بالطبع لا فالكايزن في كل عمل و ذلك توضحه الآية الكريمة " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا " [ الكهف 30 ]
فكل عمل و لو كان بسيطا لو حرصت أن تحسن نفسك فيه باستمرار لوجدت أن ما يعود عليك بعد فتره – بسيطة – ليس قليلا و قد جربت ذلك بنفسي فمنذ أن قمت بتنفيذ هذا المبدأ عمليا و أنا دائما أطور من قدراتي و إلا ما كتبت لك هذا المقال على صورته !!
لكن هل من وصفة سحرية – سهلة – يكون بعدها هذا التحسين مستمرا ، فأنا كثيرا ما أقدم أن أطور من مهاراتي و لكن يعوقني الاستمرار ؟؟
بالطبع قد يرهقك أن تتخذ قرار بالتحسين – و هو تغيير في بعض النقاط في حياتك – و تلزم نفسك بالاستمرار عليه ، فالتغيير لابد أن يكون تدريجيا و متجه من الأسفل للأعلى ..
سأسرد عليك وصفتي السحرية و هذا ما فعلته فعلا :-
- أكتب كلمة كايزن و معناها في مكان واضح أمامك دائما و ليكن شاشة الكمبيوتر
- اختر مجالا يجب عليك تحسين نفسك فيه باستمرار و لا تستطيع و ليكن مجال دراستك أو عملك .
- ابدأ و ضع لنفسك خطة زمنية بسيطة و ابدأ من الأسهل إلى السهل ثم المتوسط ثم الصعب ثم الأكثر صعوبة ، ذلك بالتوفيق من خطتك الزمنية – فائدة تلك الخطة الزمنية البسيطة هي تقييم أداؤك و عدم إهدار الكثير من وقتك – و لا ترهق نفسك بضبط الوقت بالساعة و الثانية فقط ضع خطوط عريضة تستطيع التقييم من خلالها .
- قيّم نفسك و حسّن خططك باستمرار و ستلاحظ خلال فتره – بسيطة – مدى تطورك في المجال الذي حددته و عندما تعتاد على الكايزن ستجد أنك تتعامل بتلقائية به مع كل نواحي حياتك سواء شخصية أو عملية ، و تلك التلقائية ستوفر الكثير من الوقت في التخطيط ، و المراقبة ، و التقييم .
- أشرك من حولك و حسّن من أدائهم معك فالإحساس بالمشاركة يضفي نوعا من التحفيز نحو الانجاز و سرعه التحسن .
تم نشر المقال بعدد مارس 2011 من مجلة فورورد الالكترونية :)